هل الصحوة تمر عبر المعاناة؟

رد على سؤال امرأة مسلمة تسأل إذا كان طريق الصحوة يتطلب بالضرورة العزلة والمعاناة

عزيزتي و،

تسألينني عن رأيي في العملية التي تؤدي إلى التنوير، وهل تتطلب عزلة أو شكلاً من المعاناة

بدايةً، يجب أن أخبركِ أنه إذا أردتِ أن تؤمني بوجود طريق يجب سلوكه، فهناك طرقٌ بعدد السالكين. كلٌ منا فريدٌ في الفريد. من المهم ألا تحاولي التشبه بالآخرين، وأن تثقي بالمسير الذي تسلكه الحياة من خلالنا. أعلم أنه من المريح أكثر للعقل أن يعتمد على تجارب الآخرين، لكن علينا أن نقبل السير في الإيمان دون معرفة دقيقة بكيفية سير الأمور

قلت هذا في حال كنتِ مصرّة على فكرة وجود طريق يجب سلوكه. الطريق يفترض مسافة، وبالتالي انفصالاً. لكنكِ قرأتِ في القرآن الآية: ”ونحن أقرب إليه من حبل الوريد”. إذًا لا يوجد أي بُعد يفصلكِ عما تريدين الوصول إليه. الانفصال وهمٌ خلقه العقل. أنا أفضل الحديث عن الصحوة، لأنه كما يقول الحديث النبوي: ”الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا

الموت الذي يؤدي إلى الصحوة ليس بالضرورة موت الجسد. يمكن أن يحدث خلال الحياة، كما في الحديث الآخر: ”موتوا قبل أن تموتوا”. لقد فهمتِ يا عزيزتي و أن الموت المقصود هنا هو موت الأنا. الأنا هو ذلك الكيان الذي يعتقد أنه منفصلٌ عما حوله، بينما في الحقيقة كل شيء واحد

ثم، لأكون صريحًا معكِ، لا أعتقد أننا نبلغ التنوير. الأنا هو الذي يريد أن يصبح منيرًا. لكن الأنا نفسه هو الذي يمنعكِ من رؤية أنكِ نورٌ بالفعل. تأملي هذا التشبيه: كلٌ منا مثل قطعة ثلج تطفو في الماء. يمكن تشبيه الماء بالحضور الإلهي، فالله موجود في كل مكان، ولا يمكننا أن نكون خارج ما هو موجود في كل مكان. قطعة الثلج مصنوعة من نفس المادة التي تسبح فيها، لكن لأن لها شكلًا صلبًا، تعتقد خطأً أنها مختلفة

مع الوقت، تذوب قطعة الثلج حتى تذوب تمامًا في الماء. طبيعتها لم تتغير، فهي كانت ماءً منذ البداية، فقط شكلها هو الذي تغير. وكذلك نحن، نحن نورٌ بالفعل، فقد قيل إننا خُلقنا على صورة الله، والقرآن يقول إن الله هو ”نور السماوات والأرض

لا يوجد شيء يجب تحقيقه، بل فقط اكتشاف ما حجبتْه معتقداتنا الزائفة، مثل الغبار الذي يغطي مرآة روحنا ويمنعها من عكس النور الكامن فينا

وإذا كنتِ مصرةً على فكرة الطريق، فليكن لكِ طريقًا من الحب تسيرينه برفقة الحبيب. لأن الأنا مهووسٌ بالوصول وكسب شيء لنفسه، بينما خُلقنا لنعيش علاقة حب مع الخالق، كما في الحديث القدسي: ”كنت كنزًا مخفيًا فأحببتُ أن أُعرف، فخلقت الخلق لكي أعرف

لا يهم ما يحدث في الطريق، طالما أنكِ برفقة الحبيب، فكل شيء يكتسب طعمًا خاصًا. حتى لو مررتَ بلحظات صعبة، فإن حبه موجود ليعزيكِ. لكن لا تركزي على فكرة المعاناة، بل على فكرة الحب، وعندها ستعيشينه

ولا تحاولي معرفة ما ستخوضينه مسبقًا، اتركي الحبيب يُفاجئكِ. معه، من الأفضل أن تتخلي عن كل محاولات التحكم وتستسلمي، مثل راقصة تثق بشريكها الذي يقود الرقصة

الشيء الوحيد المطلوب منكِ هو ألا تشكي أبدًا في حضوره الدائم بجانبكِ، وأن تشعري باللمسة الداخلية لنَفَسِه الذي هو تعبير عن وجوده فيكِ. هذا هو معنى الآية: ”اذكروني أذكركم”. البذرة المزروعة في الأرض لا تقلق، فهي ببساطة تتلقى غذاءها من التربة والمطر والهواء. عطشكِ للحب والحقيقة والحرية سيفعل الباقي