عزيزتي و،
دائمًا ما أجيب على الأسئلة التي تُوجّه إليّ، لكن أحيانًا يكون جوابي بكلّ بساطة: ”لا أعرف”. أنا لا أدّعي امتلاك جميع الأجوبة، ولا أرغب في ذلك. بعض الإجابات يجب أن تنبع من داخل الشخص السائل نفسه، فهي وحدها التي ستشعره بالرضا الحقيقي
في عالمنا الحديث، نقدّم الفكر على الشعور. لكنّ الفكر يبقى شيئًا خارجيًا عنّا، على عكس الأحاسيس التي نختبرها في أعماقنا. يمكنكِ أن تستمعي لساعات لوصف طعم فاكهة استوائية، لكن إلى أن تتذوّقيها بنفسك، لن تعرفي طعمها الحقيقي. الأمر نفسه ينطبق على الحبّ
ذكرت لي صديقتك ي. أنّكما كنتما تتحدّثان عن الحبّ قبل أيام، وأردتِ إشراكي في الحديث هاتفيًا، لكنّي لم أكن متاحًا آنذاك. سألتُ ي. أن تخبرني متى خطرت لكِ هذه الفكرة، كي أتمكّن من توجيه كلماتي بشكلٍ مناسب
لن أتجرّأ على تعريف الحبّ نيابةً عنكِ — فأنا متأكّدٌ أنّكِ اختبرتِه من قبل. ربما تتوقين إلى نوعٍ من الحبّ لم تعرفيه بعد، وهذا أمرٌ مشروع تمامًا. لكن دعي ألفت انتباهكِ إلى أنّ أفكارنا المسبقة عن الحبّ هي غالبًا ما تحول بيننا وبين اختباره
بادئ ذي بدء، من الجيد أن نتذكّر أنّ الحبّ ليس مجرّد علاقة. الحبّ هو حالة وجودية — هو جوهركِ الحقيقي. ليس شيئًا نصنعه، بل نكتشفه ونسمح له بالتدفّق. لا تنتظري لقاء شخصٍ ”على نفس الموجة” كي تشاركيه الحبّ. ابدئي بالشعور به تجاه أصغر وأبسط الأشياء من حولكِ
حيثما نوجّه انتباهنا، تتدفّق الطاقة وتنمو القوة. كلّما سمحتِ لتيار الحبّ بالانسياب نحو كلّ ما حولكِ، اجتذبْتِ المزيد من الحبّ إلى حياتكِ، وعاجلًا أم آجلًا، سيظهر شخصٌ متناغمٌ مع طاقتكِ — رفيقٌ لتشاركي معه الحبّ الذي يفيض من أعماقكما معًا
نحن نبنع حواجزَ لا شعوريةً تحول دون الحبّ. قال جلال الدين الرومي: ”مهمّتكِ ليست البحث عن الحبّ، بل البحث عن كلّ الحواجز التي بنيتِها في داخلكِ ضده”. هذه الحواجز هي الشروط التي نضعها، حين نصرّ على أن يأتينا الحبّ مغلّفًا بطريقة محدّدة. نحاول توجيهه بدلًا من السماح له بتوجيهنا
البعض ممن لم يجدوا الحبّ في الخارج، يلتفتون إلى الداخل ويتخلّون عن العلاقات كليّةً. لكن لا المساران متنافيان. الحبّ موجودٌ في داخلنا بالفعل — لكنّنا نتّخذ أشكالًا فردية في عالمٍ متعدّد كي نتبادل الحبّ، لا كي نحبسه في دواخلنا. فالحبّ يكتسب نكهته الحقيقية في المشاركة
لا يمكن لفراغين أن يلتقيا ويخلقا اكتمالًا. فلا تنتظري أن ”يُحضر” لكِ أحدهم الحبّ من الخارج. اتركيه ينبع منكِ أولًا، كينبوعٍ متدفّق. للأسف، يركّز الكثيرون على ما سيحصلون عليه من الطرف الآخر، لا على ما سيقدّمونه هم للعلاقة
نحن بحاجةٍ إلى أن نحبّ أكثر من حاجتنا إلى أن نُحَبّ. إذا أحبّنا شخصٌ لا نكترث له، فلن يترك حبّه أي أثر فينا. الحبّ الذي يحرّكنا هو ذاك الذي ينبع منّا — ليس الذي يأتينا من الخارج
وأخيرًا، إله الحبّ ”إيروس” إلهٌ متقلّب. إذا ارتبط الحبّ بشروط خارجية، فسيتلاشى حين تتغيّر تلك الشروط. لذا من الأهمية بمكان أن يكون حبّنا مستقلًا نسبيًا عن الظروف الخارجية، متجذّرًا في التقاء الأرواح. بالطبع، الانجذاب الجسدي والفكري مهمّان — لكن كلّما انسجمنا مع منبع الحبّ في داخلنا، زادت فرصتنا في اجتذاب الشخص المناسب الذي يلبّي احتياجاتنا ونلبّي احتياجاته
إلى أن يحين ذلك اللقاء، اضبطي نفسكِ على موجة الحبّ. إنها موجودةٌ بالفعل في داخلكِ
هدفي، عزيزتي و، لم يكن الشرح أو التفسير، بل إيقاظ ذلك الرنين في داخلكِ. أرجو أن أكون قد لمستُه ولو قليلًا…