الشعور بالحضرة الإلهية

رد على صديقة مسلمة تشكو من عدم إحساسها بالحضرة الإلهية

عزيزتي ي،

أود أن أعود إلى محادثتنا الأخيرة التي قلت فيها أنك لا تستطيعين الشعور بالحضرة الإلهية كما تريدين

سأكون بأبسط ما يمكن لأن العقل البشري يميل إلى تعقيد الأمور

نحن متفقان على أن كل ما نبحث عنه في الحياة، بما في ذلك القرب الإلهي، هو لنشعر بالسعادة

ونحن متفقان أيضاً على أن السعادة التي تجلبها الأشياء الخارجية ليست كاملة ولا دائمة

لهذا السبب يتوقف بعض الناس عن البحث في الخارج ويتوجهون إلى داخل أنفسهم

عادةً، يجب أن يتوقف بحثهم هناك. يجب أن يتوقفوا عن السباق ويستريحوا في أنفسهم

لكن يحدث أن كثيراً منهم يبدؤون سباقاً آخر، يُسمى روحانياً. يبدؤون بالاستماع إلى خطابات تعطيهم نصائح ليتبعوها وتمارين ليؤدوها، ويصبحون باحثين أبديين. كلما استمعوا أكثر كلما شعروا بأنهم أبعد عن هدفهم

الحقيقة بسيطة، لكن العقل البشري يجعلها معقدة. لهذا السبب الأطفال أسعد من البالغين. ليس لديهم أفكار عن الأشياء، لذا يمكنهم الشعور بها وتذوقها أكثر

عندما يبدؤون بحثهم عن الحقيقة، أو الله، أو كل الصفات المرتبطة بهما، كثيرون يعتقدون أنه يجب عليهم تعلم أشياء جديدة، ويبدؤون بتجميع المعرفة. يعتقدون أنهم يقتربون من هدفهم؛ في الواقع هم يبتعدون عنه. قد يشعرون بمتعة ذهنية مؤقتة، لكن قلبهم يبقى عطشاناً. يجب عليهم بدلاً من ذلك أن يسعوا إلى نسيان ما ”يعتقدون أنهم يعرفونه” عن الحقيقة. لماذا؟ لأن العقل مثل المرآة. عندما يكون مكتظاً، يصبح مرآة مملوءة بالغبار ولا يعود يستطيع أن يعكس بوضوح ما هو أمامه. نعم، ما هو أمامه. أليس مكتوباً في القرآن ”وَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ“؟

من يعطش حقاً للحقيقة يجب أن يفهم هذه الكلمات البسيطة. نؤكد أن الله حاضر في كل مكان، ونكرر الآية القرآنية ”وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ”، فما الذي يجعلنا لا نراه؟ إنها الفكرة التي نكوّنها عنه والتي تحجبه عن نظرنا. أفكارنا دقيقة لكنها يمكن أن تحجب الحقيقة. تماماً مثل السحب التي ليست سوى بخار ماء تحجب نور وحرارة الشمس التي خلقتها

الفكرة الخاطئة الأساسية التي تمنعنا من رؤيته هي الاعتقاد أننا موجودون خارجه. لذا نسعى لنراه كـ”آخر” غيرنا. لكن هذا الحديث واضح جداً: ”مَن عَرَفَ نَفسَهُ فَقَد عَرَفَ رَبَّهُ

قال الرومي نفس الشيء: ”بحثت عن الله، لم أجد سوى نفسي؛ بحثت عن نفسي، لم أجد سوى الله”. والحلاج أيضاً، مشيراً بإصبعه إلى صدره: ”تحت هذا الرداء، ليس سوى الله

قرأت منذ زمن طويل هذا القول الصوفي: ”في طريق الحب (لله)، لا يوجد مكان سوى لشخص واحد؛ عندما أكون أنا هناك، محبوبي ليس هناك، وعندما يكون محبوبي هناك، لا أعود أنا هناك

بمعنى آخر، لا يمكننا أن نشعر بحضرة الله إلا عندما تصمت كل الأفكار التي نكوّنها عنه. هذا هو معنى الحديث ”موتوا قبل أن تموتوا

أحد أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين هو ”الواسع” (الذي يشمل كل شيء)، وهكذا أنت وأنا وكل البشر لسنا في الخارج، بل في داخله. لقد خلقنا في داخله. عندما نبحث عنه ونتساءل أين هو، نحن مثل جنين يتساءل أين أمه. لا يستطيع أن يراها لأنه فيها. لكنه يستطيع أن يشعر بدفئها وحمايتها إذا توقف عن القلق والاضطراب في رحمها. نحن أيضاً يمكننا أن نعرف سلام العقل وفرح القلب إذا توقفنا عن اضطرابنا الذهني واستمعنا إلى الصمت… الذي هو لغة الله

أفضل طريقة لتهدئة عقلنا هي بذكر الحضور الإلهي في كل مكان. لننس كل ما نعتقد أننا نعرفه عن الله، ولنتذكره بيقين أنه إذا كنا لا نراه، فهو يرانا. يجب أن يكفينا أن نفكر أنه يرانا ويراقبنا. لا نبحث عن براهين ذهنية. العقل سيكون له دائماً شكوك. القلب وحده يستطيع أن يعرف، لأنه الوحيد الذي يستطيع أن يتذوق الحضرة الإلهية. وفي كل مرة يرتفع الشك في عقلنا، بدلاً من الاستماع إليه، لنسكته بتكرار هذا: ”لقد وصلت، أنا في البيت”. هذا ليس إيحاءً ذاتياً، إنها الحقيقة، لأننا لا نستطيع أن نوجد خارج من هو في كل مكان. إن التفكير بالعكس هو إيحاء ذاتي خاطئ يجعلنا نعتقد أننا منفصلون عن الله ويجعلنا تعساء